روايات رومانسيهرواية تعافيت بك

رواية تعافيت بك الفصل 44

“رواية تَعَافَيْتُ بِكَ”
“الفصل الرابع و الأربعون”
___________

“من يصنع السعادة بداخلك هو من يستحقك.”

(جبران خليل جبران)
____________

إذا كنت تظن أن العيش في الغربة شعورٌ قاسي الآن اقدم لك شعور أكثر صعوبة، ألا وهو شعور أن تعيش الغربة بك، هذا الشعور هو أقسى ما يمر به المرء على الإطلاق، أن تقف أمام المرآة لا تعرف الشخص الظاهر بها شعورٌ قاسي، أن تعيش وسط أشخاص لا يعرفونك شعورٌ قاسي، أن تجهل قيمة ذاتك شعورٌ قاسي،أن  ترى نفسك غير محبوب و غير مرحب بك شعورٌ قاسي، حتى وإن كانت الغربة هي البعد عن الأوطان ولكن بها وجدت ذاتك هنيئًا لك انت لم تفقد نَفسكَ بعد.

إتسعت مقلتيها بدهشة وفرغ فاهها، بينما «نوال» سألتها بنبرة متعجبة:

“روحتي فين يا جميلة؟ يا بنتي متوجعيش قلبي بقى”

حاولت البحث عن صوتها، وها هي وجدته، لكنه كان مبحوحًا بشدة، فقالت بنبرة جاهدت حتى تخرج منها:
“معاكِ…أنتِ قولتي أمي إسمها إيه؟”

تنفست «نوال» الصعداء ثم قالت بنبرة حزينة:
“أمك إسمها مشيرة فايز الرشيد، وقبل ما تسألي أنا معرفتكيش ليه قبل كدا، علشان مكنتش عاوزاكِ تتعشمي خصوصًا إن حسان كان معترض على رجوعكم القاهرة”

فرت دموعها رغمًا عنها من بين أهدابها، وقالت ببكاء:
“يعني عيلة ماما إسمهم عيلة فايز الرشيد، وكدا طارق و وليد اللي ظهروا بتوع الدعاية والإعلان قرايبها، ماهو مش طبيعي يكون تشابه أسماء، دول قرايبي ومن ريحتها صح؟”

ردت عليها «نوال» بضيق ولكنها تدري أنه لا مفرٍ من إجابتها، فقالت:
“وارد يكونوا هما يا جميلة، اللي حسان قالي عليه إنك كنتِ علطول مع طارق و خديجة، وطارق من ساعة ما اتولدتي وأنتِ مكنتيش بتسبيه، علشان كدا لما جيتوا من القاهرة فضلتي تطلبي في دول”

مسحت دموعها وهي تقول ببكاء:
“شكرًا يا تيتة، بس أنا عاوزة أسأل بابا علشان يجاوبني على كل حاجة”

عقبت عليها «نوال» بنبرة حزينة:
“حسان كان خايف يا جميلة، خاف حد منهم ياخدك منه وهو ملوش غيرك، أعذريه يا حبيبتي، والأحسن متسأليهوش دلوقتي، علشان طارق و وليد ممكن حسان يمنعك منهم”

ردت عليها بسرعة وبنرةٍ باكية:
“لأ خلاص أنا مش هقوله، كفاية أني اشوفهم قصادي وهما من ريحتها، بس أنا كنت عاوزة اتأكد إن إحساسي صح، حسيت أني أعرفهم من زمان، وحسيت إنهم مش مجرد ناس عادية”

ردت عليها «نوال» بصوتٍ باكٍ:
“متزعليش نفسك يا جميلة، كل حاجة بتحصلنا نصيب، أنتِ لما جيتي كنتِ عيلة صغيرة في سن دخول المدرسة وساعتها حسان كان مش عارف يتصرف، ساعتها قالك إنك مش هتشوفيهم تاني، وأنتِ مع الوقت نستيهم وبطلتي تطلبيهم، بس ربنا كتبلك نصيب تشوفيهم من تاني”

أغلقت جفونها بشدة وهي تضع كفها على فمها حتى تكتم شهقاتها وتوقف ذرف الدموع، ثم قالت:

“شكرًا يا تيتة، تصبحي على خير”

_”وأنتِ من أهل الخير يا جميلة،ربنا يجبر بخاطرك ويريح قلبك”

خرجت تلك الجملة من «نوال» بنبرة تحمل الوجع بين طياتها.
___________________

في بيت آلـ «الرشيد» جلس الشباب جميعهم فوق السطح، قص «طارق» عليهم ما حدث، وسط نظرات الدهشة منهم جميعًا، أنهى حديثه ثم قال بنبرةٍ متألمة:

“وأنا مش عارفة أعمل إيه؟ عاوز أقولها وأعرفها وفي نفس الوقت خايف الدنيا تتقلب هنا”

رد عليه «وئام» بذهول و نبرة مندهشة:
“أنت بتتكلم جد يا طارق؟ حسان وجميلة عايشين؟”

أومأ له «طارق» بهدوء ثم أخرج زفيرًا قويًا، بينما «أحمد» جلس مقابلًا له وهو يقول بنبرة قوية لا تقبل النقاش:

“هو سؤال واحد يا طارق علشان أرتاح، أمي اللي عملت كدا في عمتك؟”

تدخل «وليد» يقول بهدوء:
“إحنا معرفناش نتكلم معاه يا أحمد، علشان جميلة متعرفش حاجة عن اللي حصل، وكمان حسان مش معرفها أي حاجة عننا ولا عن أهل أمها”

إلتفت «أحمد» ينظر له بإستنكار وهو يقول بحنقٍ:
“يعني إيه؟ يعني بعد العمر دا كله هنسيبه والدنيا بايظة كدا؟ العمر اللي ضاع وعمتك فاكرة إن أمي السبب في خراب بيتها، ولا خديجة اللي عاشت حياتها بتدفع تمن غلطته، أنتو إزاي سبتوه، إزاي محدش فيكم جابه من قفاه؟”

رد عليه «طارق» بإنزعاج:
“وبعدين؟! نعمل كدا واحنا مش عارفين الحقيقة، ولا عارفين نتكلم معاه، إحنا لولا هي قالت إسمه بالكامل مكناش هنعرف، إهدا يا أحمد علشان الحكاية مش قفش، دي حياة ناس هتخرب وناس تانية هتتبرأ وليلة كبيرة، الوقت مش نافع للعك دا”

تدخل «حسن» يضيف بحكمة:
“طارق بيتكلم صح يا أحمد، وبعدين إحنا كنا فين وبقينا فين؟ هو طلع عايش خلاص، وعرفنا مكانه واحدة واحدة بقى علشان اللي جاي دا عاوز عقل”

نفخ «أحمد» وجنتيه بضيق ثم قال:
“ماشي خليني معاكم لما نشوف أخرتها، بس ورب الكعبة لو حصل حاجة من مشيرة تاني هخرب الدنيا”

ربت «طارق» على كتفه وهو يقول بهدوء:
“إهدا كدا مش عاوز هطل، في الأول و الأخر هي عمتك، وبعدين متخلنيش أندم أني حكيت، أنا علشان عارف إن إحنا الخمسة واحد ومحدش فينا بيخبي حاجة عن التاني، والله العظيم كل واحد حقه هيرجع بس بالعقل، وحسان دا ورب الكعبة ما هخليه يشوف يوم راحة، علشان في الأول و الأخر هو الغلطان في الليلة دي كلها”

أضاف «وليد» يقول بمرحٍ:
“فككم بقى من النكد دا، وخلينا نشوف الأفراح اللي هتهل علينا، طارق خلاص لقاها يعني مش هيسيبها غير وهي مراته”

سأله «وئام» بتعجب:
“طب وأنتَ مالك؟ وبعدين هو فرح واحد، خليتهم أفراح؟”

رد عليه بثقته المعهودة:
“طبعًا، وبعدين أنتم ناسيين فرحي أنا و عبلة، وفرح خديجة وياسين، وطارق وجميلة وأحمد و سلمى إن شاء الله بعد عمرٍ طويل”

سأله «حسن» بإندهاش:
“أحمد و مين يا أخويا؟ سلمى مين هي مش كانت منة؟”

رد عليه «أحمد» ببسمة هادئة:
“لأ هي عمرها ما كانت منة ومكانش ينفع تبقى منة، هي من البداية سلمى بنت عمي”

رد عليه «حسن» بسخرية:
“أنتَ مجنون يلا؟ قلبك دا ولا غرف فندقية؟”

ضحك الجميع على جملته، فتدخل «وئام» يضيف قائلًا:
“أنا زيي زيك، أول مرة أعرف إنه عاوز سلمى، الأبديت دا موصلش ليا”

تحدث «وليد» يقول بسخرية:
“بس يا جماعة خلاص، الواد مشاعره مضطربة برضه”

رد عليه «طارق» مُعقبًا:
“هو كله أساسًا مضطرب ومش عارف هو عاوز إيه، أحمد دا منفصم والله”

نظر لهم «أحمد» بضيق وهو يقول:
“هو علشان أنا أصغركم هتحلووا عليا ولا إيه؟ وبعدين حتى لو مضطرب بس مش بتمادى في الغلط، لما عرفت مشاعري عاملة إزاي قولت وماخوفتش، لما عرفت إن قلبي كان بيوهمني، عرفت إنه هيغرقني ويوديني في داهية، منة مكانتش شبهي ولا زيي، وبصراحة خديجة كانت علطول تقولي أوعى تسلم قلبك لغير أهله، وبصراحة كدا سلمى هي أهله”

رفع «طارق»أحد حاجبيه وهو يقول بضيق:
“لم نفسك بدل ما أقوم ألمك، مش هتبقى أنتَ و وليد عليا”

رد عليه «وليد» مُعقبًا بضيق زائف:
“مالك أنتَ ومال وليد؟ أنا واحد كاتب كتابي هاه؟ يعني براحتي ، الدور والباقي عليكم، واحد هي متعرفوش، والتاني قراية فاتحة مع وقف التنفيذ”

ضحكوا عليه جميعًا، فقال «طارق» بنبرةٍ حائرة:
“مش دا المهم دلوقتي، المهم هشوفها إزاي بكرة؟”

رد عليه «وليد» بمرحٍ خبيث:
“هو أنا مقولتش لكِ، مش أنا نسيت الكشكول اللي فيه المعلومات جنب رف الطُرح”

نظر له «طارق» بتعجب وهو يقول:
“هو مش كان معاك في إيدك؟ نسيته إزاي؟”

_”قضاء و قدر، هتعترض على حكم ربنا يا طارق؟ روح بكرة بس هاته”

خرجت تلك الجملة من «وليد» ببراءة كاذبة، فتبدلت نظرة «طارق» إلى الإندهاش، بينما «وئام» قال بنبرة تحمل الفخر:

“والله العظيم الواد أخويا دا معلم و عنده بعد نظر، شوف سابلك الكشكول علشان تعرف تروح تاني، علشان تقدره وتجوزه عبلة بقى”

رد عليه «وليد» بفخرٍ:
“صحيح أخويا إبن أمي وأبويا، ربنا يكرمك بتوأم يارب”

تدخل «حسن» يقول بضيق:
“خـــلاص، كفاية تطبيل كلتوا دماغي”

رد عليه «طارق» وهو يضحك:
“عاملين زي النبطشي ماصدق مسك حديدة على المسرح”

تدخل «أحمد» يقول مُقترحًا:
“فككم بقى من الجو دا ويلا نتفرج على الفيلم اللي محمله جديد، نظروا إلى بعضهم البعض ثم إقتربوا منه حتى يشاهدوا الفيلم على الحاسوب”.
_________________

قام «ياسين» بتوديع أصدقائه ثم أخذها وركب سيارته، كانت هي شاردة بهدوء فسألها هو مُستفسرًا بتعجبٍ:

“مالك سرحانة فـ إيه يا خديجة؟”

نظرت له وهي مبتسمة ثم قالت:
“ولا حاجة، كل الحكاية بس بفكر في اللي جاي بعد كدا، يعني من كلام هناء إن المرحلة الجاية دي مهمة، أنا بقى بفكر إزاي أحافظ على اللي وصلتله”

أومأ لها متفهمًا ثم قال:
“أنا واثق إنك هتقدري تحافظي على اللى وصلتيله واللي عملتيه، أنا بس عاوز أسألك عاملة إيه مع والدك؟”

قطبت جبينها وهي تسأله بتعجب:
“كويسة، بس بتسأل ليه؟”

حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بهدوء و نبرة عادية:
“عادي يعني بسأل علشام أطمن إن مفيش حاجة مضيقاكِي،وبعدين متنسيش إنها خطوة مهمة في علاجك”

زفرت هي بضيق ثم قالت:
“أنا بتعامل معاه عادي، يعني مش بخاف منه زي الأول، بس هبقى كدابة لو قولتلك نسيت يا ياسين، يمكن نظرة الندم في عيونه بتخليني أعامله عادي، لكن النسيان صعب، وكمان فيه حاجة دلوقتي مخوفاني”

قطب جبينه يسألها بتعجب من حديثها:
“حاجة مخوفاكي؟ إيه هي طيب، قوليلي؟”

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت:
“خايفة حد يعرف إن أنا كنت بتعالج نفسيًا، هو..هو أنتَ ممكن تقول لحد يا ياسين؟”

كانت نبرتها مهزوزة وكأنها بذلك تنذره بخوفها من إجابته عليها، بينما هو قال بعدما زفر بقوة:

“أنا مش فاهم إيه اللي ممكن يكون مخوف الناس من العلاج النفسي وأنهم اتعالجوا نفسيًا، خديجة العلاج النفسي مش عيب ومش حرام، ومش حاجة تخوف إن حد يعرفها، وبعدين أنتِ كنتِ ضحية لمرضى نفسيين يا خديجة، أنا عاوزك بس تطمني وتريحي نفسك، وبعدين يا ست الكل تفتكري إن أنا ممكن أقول سرك لحد؟”

ردت عليه بهدوء وهي تحرك رأسها نفيًا:
“لأ أنا واثقة إنك مش هتعرف حد، بس يا ياسين مش كل الناس فاهمة يعني إيه مريض نفسي، الناس كلها فاكرة إنه هو بيكون مجنون، أنا مش حمل نظرة عينهم ليا، حتى لو محدش فيهم قالها بلسانه نظراتهم هتقولها يا ياسين”

رد عليها مُعقبًا بهدوء:
“علشان دا جهل يا خديجة، المفروض أي حد يتعب نفسيًا يطلب العلاج، زيها زي الجرح بالظبط مينفعش أسيب الجرح بينزف يا خديجة علشان خايف من العلاج، هي نفس الفكرة بالظبط، طالما مش مبسوطين وتعبانين نفسيًا يبقى نتعالج، إن لنفسك عليك حق، وبعدين مالهم المرضى النفسيين يعني دول أجدع ناس والله”

نظرت إليه تسأله بحذر وكأنها تصارع نفسها حتى تتحدث:
“طب وهو أنتَ يا ياسين.. ممكن تندم إنك ارتبطت بواحدة زيي؟ يعني ممكن يجي اليوم اللي تحس فيه إن أنا قليلة عليك؟”

قطب جبينه بقوة وبوجهٍ عابس قال:
“إيه واحدة زيك دي؟ مالك ياما ناقصك إيد ولا ناقصك رجل؟ وبعدين هو مش إحنا تخطينا المرحلة دي من زمان يا ست الكل”

سألته هي بِـحيرة من أمرها:
“طب أعمل إيه، خايفة نوصل للمرحلة دي، وخايفة يجي يوم وتندم فيه”

رد عليها بنبرةٍ مُحبة:
“أندم يا خديجة بعد ما لقيتك؟ تفتكري ممكن أندم بعد ما لقيت أنيس الروح؟ العلاقات يا خديجة بالنسبة ليا مقدسة يعني مش مجرد ناس في حياة بعض وخلاص، لأ الموضوع أكبر من كدا، وعلى رأي عبد الرحمن الأبنودي “أصل المحبة مش بالقول يا تداي جروحي يا إما بلاش”

إبتسمت هي ثم قالت بنبرة ظهر بها الإطمئنان جاليًا بوضوح:
“شكرًا علشان بتطمني كل مرة يا ياسين”

رد عليها هو بمرحٍ:
“من العفو يا خديجة، بس ياريت الكلمة دي تتلغي من الوجود”

إبتسمت هي بهدوء ثم قالت بصوتٍ منخفض وهي تنظر من النافذة:
“على فكرة أنا بحبك برضه”

نظر هو لها بخبثٍ ثم قال:
“طب ما إحنا حلوين أهو، أنا بقول نكتر من القعدة مع سارة و ريهام وإيمان، علشان بركتهم حلت علينا”

نظرت له وهي تبتسم بإتساع، بينما قال هو بهدوء:
“بكرة كلنا هنروح عند ميمي، علشان الكابتن خالد ينظم الفرح ويرتبه، هتيجي معايا ولا أروح لوحدي زي المسكين لا ليا حبيب ولا ونيس؟”

أومأت له وهي تقول بإبتسامة:
“لأ هاجي، علشان إيمان حلفت لو مجتش هتجبني من شعري، مش عارفة ليه بس هي قالتلي كدا، تفتكر ممكن تعملها؟”

رد عليها هو بهدوء مُبتسمًا:
“آه أفتكر عادي جدًا، ولو أنتِ عاوزة ليلتك تعدي على خير معاها روحي باتي هناك أحسن”

نظرت له مُتعجبة ثم قالت بحذرٍ:
“طب فيه حاجة كمان، ممكن اروح لوحدي بكرة؟ يعني ترجع من شغلك على هناك وأنا أنزل أروح لوحدي وأركب مواصلات ينفع؟”

نظر لها بإستنكار وكأنه بذلك يعبر لها عن رفضه للفكرة، فأضافت هي تقول:
“علشان خاطري عاوزة أحس أني بعرف أتصرف لوحدي، مرة بس أجرب، علشان بعد كدا أعرف أتحرك وأروح في أي مكان”

أخذ هو نفسًا عميقًا ثم قال:
“ماشي يا خديجة، بس خلي بالك من نفسك وتليفونك يفضل مفتوح، وأنا هكلمك أطمن عليكِ كل شوية، ولا أجي آخدك أحسن؟”

ردت عليه بسرعة كبيرة وكأنها تخشى مقترحه:
“لأ بلاش بالله عليك، والله أنا حافظة الطريق وعارفة كمان بنركب العربية منين، وهبقى أكلمك”

أومأ لها بهدوء ثم أوقف السيارة أمام بيتها، فنظرت هي له بإحباط وهي تقول:

“هو خلاص كدا؟ وصلنا؟”

رفع له حاجبه مُتعجبًا وهو يبتسم، فوجدها تقول بتلعثمٍ:
“أقصد يعني وصلنا بسرعة، خلاص أشوفك بكرة إن شاء الله”

حرك كتفيه يقول بخبثٍ:
“لو عاوزة تفضلي معايا أنا معنديش أي مشاكل، بيتنا موجود وبيت ميمي موجود

إتسعت مقلتيها بشدة وهي تشهق بقوة، ثم قالت بضيق:
“تصبح على خير يا ياسين”

غمز لها وهو يقول بخبثٍ:
“وأنتِ من أهل الخير يا قلب ياسين”

نزلت من السيارة تنظر له وهي مضيقة جفونها، فوجدته يرسل لها قبلة في الهواء، ضحكت هي وحركت رأيها بيأسٍ ثم لوحت له بكفها تودعه، دخلت المصعد فوجدته يهاتفها، ردت عليه فوجدته يقول بإنزعاج زائف:
“والله عيب دي مش معاملة، يعني أنا أبعتلك بوسة وأنتِ تشاوريلي بإيدك؟ هي دي المعاملة يا خديجة؟”

ضحكت وهي تقول:
“طب أعمل إيه طيب؟ وبعدين عيب كدا يا ياسين، أنتَ مش صغير”

رد عليها مُعقبًا بحنق:
“يا سلام ياختي؟ هو أنا لو صغير هعمل كدا عادي؟كدا هبقى مش متربي”

ضحكت هي على طريقته ثم قالت:
“طب سلام بقى علشان الاسانسير وقف، وداخلة الشقة”

تنهد هو ثم قال:
“ماشي يا ستي تصبحي على خير، ومتنسيش هكلمك برضه بكرة”

دخلت الشقة في هدوء فوجدت والديها في إنتظارها، أخذت هي نفسًا عميقًا ثم قالت:
“أنا آسفة لو اتأخرت عليكم، بس كنت مع البنات علشان الفرح الأسبوع الجاي وكنا بنجهز الحاجة”

إبتسم «طه» و رد عليها بهدوء:
“ولا يهمك، تعالي بس علشان ناكل سوا، ولا مش جعانة؟”

ردت عليه تقول بمرحٍ:
“جعانة أوي بصراحة، رغم إن ياسين أصر ناكل سوا بس كنت عاوزة آكل السبانخ بتاعة زينب”

ضحكت والدتها وهي تقول:
“طب كويس إن أنا عملتها، علشان كلهم كانوا عاوزين مكرونة”

تدخل «طه» يقول بإحراج:
“بصراحة أنا مش بحب السبانخ، بس علشان خاطر عيون خديجة يبقى ناكل كلنا سبانخ وأمرنا لله”

أتت «خلود» من الداخل وهي تقول بضيق:
“فيه حد يحب السبانخ؟ أنتو بتحبوا جلد الذات ليه؟”

ردت عليها «خديجة» بضيق:
“بعينك يا خلود، برضه بحبها”

ضحك «طه» وهو يقول:
“طب أكلونا يا جدعان، مش كفاية هناكل سبانخ؟”

أرسلت هي لأبيها قبلة في الهواء وهي تقول بمرحٍ:
“والله بحبك يا ياسـ…إحم…بابا”

ضحك والدها وهو يقول بخبثٍ:
“مقبولة منك يا آنسة خديجة، هنمشيها بابا”

شهقت هي بقوة ثم ركضت من أمام الجميع إلى غرفتها حينما علمت أن والدها فهم ما كانت ستتفوه به عن طريق الخطأ،بينما نظر هو أثرها ثم تنهد بعمقٍ، سألته زوجته بحذرٍ:

“طه، أنتَ زعلت؟ هي ممكن تكون مش قصدها”

حرك هو رأسه نفيًا بهدوء ثم قال:
“لأ مش زعلان يا زينب، هي حقها تحبه وحقها كمان إنها ماتشوفش غيره، ياسين غير خديجة ولولا وجوده هو كان زمانها لسه بتخاف مني يا زينب”

أومأت هي له ثم قالت بنبرة آملة:
“ربنا يبعد عنهم الأذى و الشر يا رب، ياسين دا عوض ربنا لخديجة”

أومأ هو لها ثم نكس رأسه للأسفل بحزن على حاله وعلى ما فاته من العمر مع إبنته.
______________

في شقة «محمود» كانت «هدير» جالسة تبكي في غرفتها بحرقة شديدة، كانت نائمة في وضع الجنين، لاتدري ماذا تفعل ولا من أي طريق ستبدأ، فجأة وصلتها رسالة خاصة عبر موقع الفيسبوك، وجدت الرسالة منه محتواها:

“أنا بقالي ساعة من ساعة ما روحت وأنا بمنع نفسي أكلمك، طمنيني أنتِ عايشة ولا عملتيها و أنتحرتي؟”

مسحت دموعها بكفيها ثم أرسلت له بهدوء:
“لأ منتحرتش، أنا عايشة الحمد لله”

أرسل لها يمازحها:
“طب واللي بيكلمني دا أنتِ ولا عفريتك؟”

ردت عليه هي بعدما وأدت بسمتها:
“لأ دي أنا برضه مش عفريت ولا حاجة، شكرًا”

أرسل لها هو من جديد:
“العفو، المهم صليتي وعملتي اللي قولتلك عليه؟ أنا عارف إنك خايفة بس مفيش حاجة هتخليكي تطمني غير إنك تصلي وتقربي من ربنا”

أجابته هي بخجلٍ حينما أرسلت:
“بصراحة أنا بقالي كتير مش بصلي، وخايفة أروح أصلي وأنا بقالي كتير بعيد عن طريق ربنا”

قام هو بتسجيل رسالة صوتية ثم أرسلها لها وكان محتواها:

“إحنا كلنا بنغلط ونقع، بس ربنا رحيم بينا أوي، ومن ضمن رحمته بينا إنه بيفرح بينا لما نتوب ونرجعله، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته التي عليها طعامه وشرابه فأضلها في أرض فلاة، فاضطجع قد أيس منها، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة على رأسه فلما رآها أخذ بخطامها وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح، أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وهذا يدل على فضله وإحسانه جل وعلا وأنه سبحانه يحب لعباده أن يتوبوا إليه وأن يستقيموا على طاعته حتى يفوزوا بجنته ونعيمه والفرح من الله جل وعلا مثل سائر الصفات كالرضا والغضب والرحمة والمحبة وغير ذلك كلها صفات تليق بالله يجب إثباتها لله على الوجه اللائق به ، وليست من جنس صفات المخلوقين، فغضب الله ليس كغضب المخلوقين، وفرحه ليس كفرحهم، ورضاه ليس كرضاهم، وهكذا رحمته ومحبته وكراهته وسمعه وبصره وغير ذلك كلها صفات كاملة تليق بالله، يعني فرحة ربنا بالعبد التائب زي فرحة الشخص اللي خيره و زاده تاه منه في الصحرا و رجعله مرة تانية”

بكت وهي تسمع التسجيل الصوتي من شدة تأثرها، أنهت سماع التسجيل ثم أرسلت له بأنامل مترددة:

“طب وهما هيسامحوني؟أنا عاوزة والله أبدأ من جديد، بس دايمًا الشيطان بيلعب في دماغي إن هما بيكرهوني، وإن اللي عملته كان كتير وصعب حد ينساه”

أرسل هو لها بهدوء:
“ماهو دا دوره، إنه يصعب مهمة رجوعك، يخليكي حاسة علطول إنك مذنبة وإنك مستحيل ترجعي للطريق الصح تاني، بس إحنا لازم نغلب شيطاننا، علشان نلحق نرجع للطريق الصح”

أغلقت الهاتف هي بعدما وضعت علامة الإعجاب على حديثه، ثم قامت تتوضأ، بينما على الجهة الأخرى زفر هو بضيق ثم قال:
“وبعدها لك ياعم حسن؟ أخرتها إيه في سنتك البيضة دي؟”
________________

في صباح اليوم التالي ذهب الرجال إلى العمل، لكن الشباب أعطاهم «طارق» عطلة رسمية، كانت الأمور تسير على مايرام، وفي منتصف اليوم كان «وليد» و «طارق» يقفا سويًا في سطح المنزل، أرتدى «طارق» حلته السوداء وهو يقول بضيق:

“متأكد يا وليد إنك سايب الكشكول دا هناك؟ ولا شكلي هيبقى زفت؟”

رد عليه «وليد» بضيق:
“والله العظيم سبته هناك، روح أنتَ بس وهتلاقيه، المهم متتأخرش هناك علشان متلفتش النظر”

أومأ له بهدوء ثم أخرج زفيرًا قويًا، ربت «وليد» على كتفه ثم قال حتى يؤازره في محنته:
“ربنا يجبر بخاطرك، والله بعد كل الصبر اللي صبرته دا ربنا هيعوضك ويجبر بخاطرك يا طارق”

رفع هو رأسه للسماء يتضرع بقلبه قبل فمه، ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:
“طب أنا هلحق أروح علشان أرجع قبل ما حسان دا يقرفني”

ضحك «وليد» بخفة وهو يقول:
“لأ متخافش، أديله واحدة هكلملك مُشيرة، هيجيب ورا”

نظر له «طارق» مُتعجبًا، فوجده يقول بثقة:
“أسمع من أخوك، والله بيخاف من سيرتها، عمتك مش سهلة برضه”

حرك رأسه نفيًا وهو يضحك ثم تركه ونزل، رفع «وليد» رأسه يأخذ نفسًا عميقًا وهو مغمض العينين، فتحهما بتروٍ، فوجدها أمامه تبتسم بهدوء، إتسعت مقلتيه وهو يقول بمرحٍ:

“دا حلم ولا واقع يا عبلة؟”

ضحكت هي ثم إقتربت منه تقول بمشاكسة:
“واقع وحلم وخيال وكل حاجة، أنا وراك وراك يا ليدو”

أمسكها هو من خصرها يقربها منه وهو يقول بخبثٍ:
“دا كدا كدا يا روح ليدو، تفتكري أنا ممكن أسيبك ولا حتى ممكن أبعد عنك؟ غلطانة، أنتِ زي الهوا عندي، أنتِ اللي القلب بحبها أستقام، وأتبنالك في العقل أعلى مقام”

تبدلت نبرته إلى نبرة حنونة مما جعلها ترفع بصرها تنظر له وهي تقول باندهاش:
“طالما أنتَ بتحبني أوي كدا ليه خبيت وليه مقولتش من الأول إني مهمة عندك كدا، ليه سبتني من غير حبك دا”

رفع حاجبه ينظر لها بإستنكار وهو يقول بحنقٍ:
“خبيت إيه يا ختي؟ أنتِ عندك زهايمر ولا إيه حكايتك؟نسيتي منك لله يا وليد، أنا مش بديلة لحد يا وليد؟ دا أنتِ سففتيني تراب سلم العمارة كلها”

كان يتحدث بطريقة مُضحكة مقلدًا طريقتها معه قبل زواجهما، فوضعت هي كفها على فمه وهي تقول بسرعة نابعة من ضيقها:
“خلاص خلاص أنتَ مبتنساش؟ أسكت بقى يارتني ما سألتك”
أنزل هو كفها ثم طبع قبلة هادئة في راحته وهو يقول بنبرة هادئة نابعة من القلب المحب:
“كل حاجة تخصك مقدرش أنساها يا عبلة، قولتلك أنتِ عندي زي الهوا وبعدين وحشتيني،تعالي في حضن جوزك”

أرتمت هي بين ذراعيه بقوة ثم شددت عناقها له وهي تأخذ نفسًا عميقًا، بينما وضع هو كفه فوق رأسها وهو يقول بهدوء:

“والله لولا خايف على مشاعر أبوكِ كنا رحنا أسكندرية على رأي حماكِ الحج مرتضى”

ضحكت وهي تقول بمشاكسة:
“والله الحج محمد ممكن يطلع يرمينا من هنا وساعتها هنروح الجنة”

ضحك كليهما سويًا لكن فجأة توقفا عن الضحك حينما سمعا صوت باب المصعد يفتح مما يدل على قدوم شخصٌ ما، سألها هو بعدما إبتعدت عنه نسبيًا:
” تفتكري أبوكِ جاي ياخد حقه؟ ولا هيبعتنا الجنة؟”

دخلت «هدير» وهي تقول بهدوء:
“مساء الخير، إزيكم؟”

نظر لها كليهما بإندهاش ولم يرد أيًا منهما التحية، فقالت هي بنبرةٍ مهزوزة:
“السلام عليكم طيب يمكن تردوا عليا”

تنفس هو الصعداء ثم قال بضيق:
“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا هدير، خير؟”

إقتربت منهما تقف قبالتهما وهي تقول بنبرة موجوعة حينما رآت «عبلة» تشخص ببصرها للجهة الأخرى:
“أنا مش طالعة أضايق حد، أنا بس طالعة أقولكم محدش يزعل مني ولو ينفع تسامحوني يبقى كتر خيركم، أنا والله مش عاوزة حاجة تاني غير كدا”

رفع هو حاجبه مُتعجبًا، بينما «عبلة» ضمت ذراعيها أمام صدرها وهي تقول بإستنكار واضح:

“والله؟! ودي إيه يا هدير بقى لعبة جديدة من عمتو ولا طريقة أخترعتيها علشان تعرفي تجمعينا من تاني حواليكي”

حركت «هدير» رأسها نفيًا ببكاء وهي تقول:
“لأ والله أبدًا، أنا والله العظيم بطلت أكلم عمتو وبعدت عنها، أنا بس عاوزاكم تسامحوني علشان أعرف أبدأ حياة جديدة، والله العظيم مش بكدب عليكم، أنا فوقت والله”

أجهشت في بكاء مرير، بينما «وليد» سألها مُستفسرًا بشكٍ:
“ودا من إيه إن شاء الله؟ جالك حموضة فوقتك؟”

مسحت دموعها ثم قالت:
“لأ، علشان أنا عاوزة ربنا يسامحني على اللي عملته، ربنا كرمني بفرصة تانية وعمر جديد علشان أقدر أصلح اللي عملته زمان”

نظرت لها «عبلة» بإستنكار، بينما هو قال مستفسرًا:
“يعني إيه ربنا كتبلك عمر جديد وفرصة تانية؟ أنتِ عملتي إيه يا هدير؟”

ضغطت على جفنيها بشدة ثم قالت بعدما فتحتهما بتروٍ:
“أنا حاولت أنتحر يا وليد، بس ربنا رحمته كانت أكبر مني ومن ذنوبي، وبعتلي اللي يلحقني”

تحدثت تلك المرة «عبلة» تقول بإندهاش:
“أنتِ بتقولي إيه؟ يعني إيه تنتحري أنتِ مجنونة؟”

تدخل«وليد» هو بهدوء ونبرة مقررة:
“أحكيلي إيه اللي حصل بالظبط، عاوز أسمع كل حاجة منك؟”

نظرت له زوجته بحاجبٍ مرفوع بينما «هدير» أومأت له ثم قالت:
“حاضر، هحكيلك علشان أنا عاوزاكم أخواتي ومش عاوزة حد منكم يفضل زعلان مني”

قصت عليهما ما حدث يوم أمس، دون التطرق إلى التفاصيل التي لن تلزمهما وهي التفاصيل الخاصة بحديثها مع «حسن»،

_”يا نهارك مش فايت!! أنتِ إيه يا هدير عبيطة؟ يعني عيشتي عمرك كله صفرا و عاوزة تموتي كافرة؟”

ردت عليه ببكاء ونبرة موجوعة:
“كان غصب عني، لما حسيت بالوجع اللي ممكن حد يحسه بسببي مقدرتش أتقبل الفكرة، أنا أذيت كل اللي في حياتي”

رد عليها بحنقٍ:
“وأنتِ مكانش قدامك غير الأسانسير ترمي نفسك منه؟ عاوزة عفاريتك تموتنا، هو أنتِ حالفة تنكدي علينا حية أو ميتة؟”

أجابته هي بترددٍ:
“والله العظيم كان غصب عني، أنا صليت إمبارح ركعتين لله وطلبت منه يغفرلي ذنوبي، وطمعانة فيكم تسامحوني، والله مش عاوزة حاجة تانية، علشان خاطري يا عبلة سامحيني، حقك عليا”

ردت عليها «عبلة» بضيق ونبرة متأثرة:
“صعب يا هدير، صعب أنسى اللي عملتيه فيا، صعب أنسى إن وليد كان هيسبني بسببك، وصعب أنسى إنك راهنتي على سمعتي، وصعب أرجع أضحك في وشك تاني وأنا قلبي شايل منك”

نظر «وليد» لهن بتمعن دون أن يتدخل في الحديث، بينما «هدير» قالت ببكاء:
“أنا عارفة إنه صعب وعارفة إن أنا غلطت كتير، بس كلنا بنغلط ولسه عاوزة أصالح خديجة ودي حملها تقيل في رقبتي، أنا أصلًا مش عارفة أكلمها بأي حق، بس أنا هحاول كتير والله”

تدخل «وليد» يقول بنبرة قوية:
“سيبي خديجة في حالها بقى، أنتِ إيه يا هدير؟ خديجة حياتها بدأت تتحسن خلاص مش محتاجة حد منكم ولا حد مننا، ربنا كرمها باللي يعوضها عن اللي شافته”

ردت عليه تُردف بنبرة مترجية:
“والله العظيم عاوزاها تسامحني بس، أنا لو فضلت زي ما أنا كدا هأذي نفسي وهأذي اللي حواليا”

نفخ «وليد» وجنتيه بضيق ثم قال لزوجته:
“سامحي يا عبلة، سامحي زي ما خديجة سامحتك، وبعدين الحمد لله كل حاجة كانت بتحصل قربتنا لبعض أكتر، لولا هدير و اللي عملته مكنتش زمان كتبت الكتاب، وكان زماني بشحت أني أشوفك، سامحيها”

نظرت «عبلة» لهما بضيق، وحينما رآت نظرة «هدير» قالت بنبرة مختنقة:
“هسامحها بشرط، لما خديجة تسامحنا إحنا الأتنين، ساعتها أنا هسامح هدير،خديجة لحد دلوقتي لسه فيه فجوة بيننا بسبب هدير وإنها كانت مفهماني إن خديجة بتغير مننا وبتكرهنا، لو عرفتي تصلحي كل دا يبقى أنا هسامحك على كل حاجة”

أضاف «وليد» يقول بحماس:
“كلامها صح يا هدير، وفيه حاجة كمان ياريت تتعالجي نفسيًا، الفترة اللي فاتت كنتِ عايشة كأنك واحدة تانية، ودلوقتي أنتِ هتبقي زي اللي عنده إنفصام في الشخصية، يعني هيبقى فيه اتنين هدير، وممكن ندمك يكون ندم وهمي، ومجرد مسامحتهم لكِ هترجعي تاني زي الأول و أكتر، لازم تتعالجي يا هدير وأنا معاكِ وعبلة معاكِ، وخديجة كمان هتبقى معاكِ”

بكت وهي تسمع حديثه الذي كان يشبه نصل السكين الحاد، بينما هو نظر لزوجته ثم أشار برأسه وكأنه يحثها على معانقتها، أومأت له في تردد، ثم ضمتها بفتور نسبيًا، تمسكت بها «هدير» وكأنها طفلًا صغير يخشى ترك أمه ثم بكت بحرقة تبعتها بقولها:
“متسبونيش لوحدي علشان خاطري، خليكم معايا، مش عاوزة أموت لوحدي”

بكت «عبلة» هي الأخرى ثم نظرت لـ «وليد» وجدته يقترب منها يمسح دموعها بأنامله، ثم إبتسم لها بحب.
________________

في شقة «ميمي» وصلت «خديجة» وهي تهاتفه، سمعت حديثه فقالت وهي مبتسمة:
“والله العظيم وصلت جوة الشقة خلاص، هما كلهم شاهدين”

سمعته يقول بعدما تنهد بعمقٍ:
“طب الحمد لله، أنا كلها دقايق وأكون عندك، أسأليهم كدا عاوزين حاجة أجبها وأنا جاي؟”

سألت الجميع فكان الجواب النفي منهم، أخبرته هي بما وصلها من إجابة، ثم أغلقت الهاتف وقامت بالترحيب بالجميع، وجلست على المائدة الطويلة وبجانبها مقعد فارغ له، كان «خالد» يترأس الطاولة، فسأله «عامر» بضيق ساخرًا منه:

“لسه كتير يا مستر خالد؟ هنبدأ شرح إمتى ياعم أنا زهقت؟”

نظر له «خالد» بضيق ثم قال بنبرةٍ قوية:
“مش عاوز أسمع صوتك خالص، بتحرجنا يا عامر؟ بتكلم مدير القاعة من ورايا؟ صبرك عليا يا إبن سيدة”

لوح له «عامر» بيده بينما «ياسر» سأل بإندهاش:
“هو عامر فعلًا كلم مدير القاعة؟ دا أنتَ يومك مش فايت”

في تلك اللحظة دلف «ياسين» وهو يلقي التحية على الجميع ، جلس بجانبها بهدوء وهو ثم مال على أذنها وهو يقول:
“أشطر كتكوت عرف يجي هنا لوحده؟ دا إحنا عدينا كل المراحل خلاص”

ردت عليه وهي مبتسمة بهدوء:
“على فكرة الطريق كان سهل وكدا أنا ممكن أروح أي مكان”

سألها هو بخبثٍ:
“يعني أعتمد عليكِ توصلي العيال للمدرسة؟”

قطبت جبينها تسأله بتعجب:
“عيال؟! عيال مين دول؟”

رد عليها مُردفًا بثبات:
“عيالنا إن شاء الله”

_”إيه؟”

_”إيه أنتِ”

نطق «خالد» يقول بنبرة قوية:
“ركزوا معايا علشان أنا خلقي ضيق وممكن أمد إيدي عادي، الكلام اللي هقوله مهم وأول مرة أقوله”

حمحم «ياسين» بقوة ثم قال ساخرًا:
“اتفضل يا أستاذ خالد، أنا معاك، كلنا معاك”

نظر في أوجه الجميع ثم قال موجهًا حديثه لـ «ميمي»:
“مبدائيًا أنتِ هتيجي الفرح عادي، أنتِ بقيتي تمام مش عاوز دلع”

ردت عليه هي بقلة حيلة:
“ملوش لزوم يا خالد، كفاية فرحتكم”

تدخلت «إيمان» تقول بإنفعال:
“فرحتنا مش هتكمل غير بوجودك، أحسن والله ما أحضرش الفرح، أنا ممكن أعملها عادي”

إتسعت مقلتي «ياسر» فقال بإندهاش:
“يا نهارك أبيض!! ما تحضريش إيه يا متخلفة أنتِ؟”

تدخلت «ريهام» تقول بمشاكسة:
“خلاص يا جماعة محدش فينا هيحضر طالما ميمي مش هتحضر”

ردت عليهم بنفاذ الصبر:
“خلاص، هروح الفرح أمري لله، أنتو عيال صداع”

تنفس «خالد» الصعداء ثم قال:
“المهم الفرح يوم الجمعة الجاية”

_”بجد والله ؟ ألف مليون مبروك، مفاجأة بصراحة مكانتش متوقعة، إحنا هنهزر؟ ماتقول الكلام الجديد اللي عندك”

خرج ذلك الحديث من «عامر» بسخرية، جعلت «خالد» يقول بضيق:

“قسمًا بربي لو محترمتش نفسك، لأعلمك الأدب علشان لسه مصيبتك سودا”

سألت «سارة» بخوف:
“هو عمل إيه؟ وبعدين يا جماعة معلش سامحوه لحد ما نتجوز”

سأل «ياسين» وهو يحاول كتم ضحكته:
“هو عمل إيه يا خالد؟ أو بمعنى أصح هبب إيه؟”

نظر له «خالد» بضيق وهو يقول بنبرة منزعجة:

“الأستاذ بيحرجنا، بيكلم مدير القاعة يقوله عاوز أدخل على حصان، فاكر نفسه رايح يفتح عكا”

إتسعت أعين الجميع على وسعها وهم ينظرون له، بينما «ياسين» سأله وهو يتمنى منه النفي:

“حصل الكلام دا يا عامر؟ عملت كدا فعلًا؟”

أومأ «عامر» في هدوء وهو يقول:
“والله العظيم قولت تجديد، بدل الحاجات التقليدية دي؟”

رد عليه «ياسين» مُعقبًا:
“ليه يا حبيبي؟ فاكر نفسك صلاح الدين الأيوبي؟ حصان إيه اللي هندخله القاعة هو طهور؟”

ضحك الجميع عليه، بينما هو قال بضيق:
“خليكم أنتو كدا ناس قديمة متعرفش حاجة جديدة، والله لو سمعوا كلامي مدير القاعة دي مش هيلحق الحجوزات بعد كدا”

تدخل «ياسر» يضيف في هدوء:
“ماهو مش هيلحق فعلًا علشان هيكون اتحبس”

ضرب «خالد» على الطاولة وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:

“مش عاوز نفس حد فيكم يطلع، واللي هقوله تركزوا عليه، علشان الغلط مش مسموح بيه”

أومأ له الجميع بخوف من قوة نبرته، فزفر هو بضيق ثم قال:

“الفرح يوم الجمعة الجاية، يعني بعد أسبوع من دلوقتي، اللي هيحصل كالتالي، ياسين ربنا يجبر بخاطره هياخد البنات يوم الجمعة الصبح ويبعتهم القاعة علشان اللبس و المكياج، فيه مكان هناك مخصص لكدا، وبعدين يرجع لنا تاني هنا عند ميمي علشان نصلي الجمعة وعم أنور الحلاق هيطلع يظبطنا هنا، بعد كدا ياسين هياخد أبوه و أمه وأبو و أم عامر معاه في العربية”

نظر له «عامر» بشكٍ وهو يقول:
“هو أنا ليه حاسس والله أعلم أني بتشتم؟”

رد عليه «خالد» ببهجة مصطنعة:
“لأ لأ عيب يا جدع متقولش كدا، الشتيمة لسه هتيجي قدام”

سأله «ياسر» بخوفٍ:
“طب سؤال معلش، أمي أنا هعمل فيها إيه؟”

نظر له «خالد» بمللٍ وهو يقول:
“متقلقش الحجة في عينيا، هي وأمي معايا في العربية بتاعتي وعمار أخو عامر، علشان عارف إن أخواتك هيحضروا مع بعض”

سأله «ياسين» بحذر:
“طب معلش سؤال ضروري، هنشوف البنات هناك على إمتى؟”

نظر له «خالد» وهو يعض على شفته بضيق ثم قال ساخرًا:
“بين العصر و المغرب يا روميو، وإحنا بنصور صور الفرح، وركز معايا وسيبك من جو كاظم الساهر دا”

ضحك الجميع عليه، بينما «خديجة» أخفضت رأسها في خجلٍ، أما «سارة» سألت هي الأخرى بتردد:
“طب معلش بقى سؤال مهم، القاعة مظبطة كل حاجة؟ يعني علشان منتفجأش بعد كدا بحاجة غلط”

رد عليها «خالد» بهدوء:
“أنا الحمد لله أنا و ياسين ظبطنا كل حاجة، متخافيش أنتِ”

غمز لها «عامر» وهو يقول بمرحٍ:
“أحبك وأنتَ حريص كدا يا ولا، ليلتنا هتبقى خضرا إن شاء الله”

أخفضت رأسها وهي تحاول وأد بسمتها، بينما «خالد» زفر بعمق وهو يقول:

“اللي عاوز حاجة يقولها، واللي نفسه في حاجة يقولها، لسه معانا أسبوع نتحرك فيه أهوه”

رفع «عامر» يده وهو يقول بمشاكسة:
“معلش يا مستر خالد، بالله عليك لو الواد بتاع الكاميرا لمحته في الفرح بيصور الناس وهما بياكلوا تديله بالقفا، علشان أنا مفضوح في كل الأفراح اللي حضرتها وأنا باكل”

ضحك الجميع عليه بشدة، حتى «خالد» لم يتمالك نفسه من الضحك هو الآخر، أما «ميمي» فضربت كفًا بالأخر وهي تقول من بين ضحكاتها:

“يابني حرام عليك بقى، أتكلم جد في حياتك مرة واحدة”

حرك كتفيه وهو يقول بلامبالاة:

“مش بإيدي والله دي خارج إرادتي، بس ورب الكعبه لو لمحته بس هجيبه من شعره، علشان دا تاني أقذر واحد شفته في حياتي بعد محمود المليجي”

سألته «خديجة» بتعجب:
“إشمعنا محمود المليجي؟ماله”

رد عليها هو بثقة:
“علشان هو شرير، أنا عمري ما شوفته طيب”

عقبت هي على حديثه وهي مبتسمة:
“أيوا بس هو ممثل عادي يعني، مش بمزاجه”

سألها هو بذهول:
“قولي والله، يعني هو مش كدا في الحقيقة؟”

حركت رأسها نفيًا فضرب هو كفًا بالأخر وهو يقول:

“كان نفسي حاجة تشفعله، طلع هو صاحب المركز الأول في الشر”

سأله «ياسر» بتعجب:
“هو مين يابني؟”

_”المصور”
خرجت تلك الكلمة من «عامر» بحزن مصطنع، جعل الجميع ينفجروا من الضحك عليه، أوقف «خالد» الضحك ثم قال:

“أنا حاسس على ما الفرح دا يخلص هكون مفارق الحياة”

أضافت «إيمان» تقول بخوف:
متقولش كدا بس إن شاء الله هتكون زي الفل وتفرح بيا أنا و ياسوري”

أومأ لها بقوة وهو يقول بضيق زائف:

“أنا عاوز أجوزك علشان أرتاح منك ومن ياسورك يا ختي”

تحدث «عامر» يقول لزوجته بمرحٍ:
“وأنا مش هتقوليلي يا عموري؟ أي حاجة تجبري بخاطر الغلبان اللي زيي”

مالت على أذنه تقول بهدوء:
“أنتَ عموري و عمري و حبيبي”

صرخ هو يقول مهللًا:
“الله أكبر، إيه الحلاوة دي يا جدعان، هو الفرح مينفعش الليلة دي”

رد عليه «ياسين» بهدوء خبيث:
“هو لو علينا عادي، لو على خالد الحاجة الوحيدة اللي تنفع الليلة دي هي دفنتك”

أومأ «خالد» بثقة ثم أشار له على عنقه وكأنه يبث الرعب بداخله.
______________

في المول وصل «طارق» أمام المحل وهو يحاول تنظيم أنفاسه المتلاحقة، نظر داخل المحل وجدها تجلس بشرود وكأنها طفلة صغيرة فقدت دميتها، أما عن والدها فكان منشغلًا مع أحد الزبائن، إنتظر «طارق» خروج الزبائن ثم دخل المكان وهو يقول بنبرة جاهد حتى لا تفضح شوقه:

“السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عاملين إيه؟”

رفعت هي رأسها تنظر له بسرعة كبيرة، وإبتهج محياها على الفور حينما رآته، بينما «حسان» نظر له بضيق وهو يقول:

“وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نورت يا أستاذ طارق، خير؟”

كان «طارق» ينظر لها وهي أيضًا تنظر له تلك المرة بشوق غريب وكأنها تحاول مقارنة ملامحه بما تحاول تذكره، لم يرد عليه «طارق»، فتحدث «حسان» بنبرة أقوى تلك المرة:

“خير يا أستاذ طارق؟”

نظر له «طارق» بإحراج وهو يقول:
“معلش أنا متأسف، بس وليد إمبارح نسي الكشكول اللي فيه التفاصيل وكنا محتاجينها ضروري”

ردت عليه هي بحماس قائلة:
“أيوا أنا لقيته الصبح هو معايا في شنطتي”

قامت هي حتى تجلب الدفتر الصغير، بينما «حسان» كان ينظر لهما بترقب وكأنه يحاول إستنباط ما يدور بينهما، اقتربت هي منه ثم أعطته الدفتر وهي تقول بهدوء:

“أنا قولت أكيد هتحتاجوه، علشان كدا حطيته في الكيس الصغير دا يمكن يفكركم بحاجة”

أومأ لها «طارق» بهدوء ثم قال معتذرًا:
“لو مفيهاش تعب لكِ ينفع تجبيلي إزازة مياه من تحت علشان أنا عطشان؟”

فهمت هي أنه يود الحديث مع والدها لذلك أومأت له بهدء ثم إقتربت من الباب وقبل خروجها أوقفها هو بقوله:

“أستني طيب يا آنسة جميلة، خدي الفلوس اللي هتيجيبي بيها”

إلتفتت هي تنظر له نظرة لم يستطع هو تفسيرها هل هي معاتبة أم مشتاقة، لكنه خرج من تفكيره حينما سمعها تقول:

“إحنا بنفهم في الأصول برضه يا أستاذ طارق، ثواني وهجبلك المياه”

خرجت من المحل وهي في حالة غريبة، بينما هو تبدلت ملامحه إلى الشر وهو يقول بنبرة قوية:

“أنتَ عملت فيها إيه؟ولا قولت ليها إيه علشان تبقى فـ حالتها دي؟ رد عليا هببت إيه؟”

رد عليه «حسان» بضيق ونبرة شديدة القوة:
“أنا معملتش حاجة، وبعدين دي بنتي، أنتَ مالك أنتَ”

ضرب «طارق» سطح المكتب بيده وهو يقول بنبرة مختنقة إثر حديثه:
“متجننيش، أنتَ عارف هي بالنسبة ليا إيه؟بنتك دي أنتَ كنت بتسافر وهي معايا، أنا اللي مربيها من ساعة ما إتولدت، يعني تفوق من الهبل اللي أنتَ فيه دا، بدل ما ورب الكعبة أجيب أمها هنا وساعتها هنندم كلنا”

نفخ «حسان» وجنته بضيق ثم قال:
“أنتَ بتهددني؟ أسمع بقى بنتي مش هتسبني هي ملهاش غيري وأنا مليش غيرها، أنتَ مجرد ماضي و عدى”

نظر له «طارق» بثقة وهو يقول:
“حلوة ماضي دي، أنا بقول بقى نتصل بالماضي ويجي معانا في الحاضر، ودا علشان مستقبل أفضل إن شاء الله”

فهم «حسان» مقصده من مرمى الحديث فقال بعدما أخرج زفيرًا قويًا:
“نهاية القول، عاوز إيه علشان جميلة زمانها طالعة؟”

حرك «طارق» كتفيه وهو يقول:
“مش عاوز حاجة غير أني أشوفها قصاد عيني وقت ما أحب، ودا طبعًا مؤقتًا لحد ما تكون مراتي، غير كدا متلومش غير نفسك يا..يا أبو جميلة”

دخلت هي في تلك اللحظة وهي تقول بمرحٍ:
“أتمنى مكونش أتأخرت عليكم”

نظر لها «طارق» وهو يقول بنبرة حزينة:
“اتأخرتي كتير…كتير أوي، بس ملحوقة إن شاء الله”

قطبت جبينها وهي تنظر له بتعجب سرعان ما تلاشى تدريجيًا حينما فهمت مقصده، فقدمت له زجاجة المياه وهي تقول بهدوء:
“طب اتفضل المياه”

أخذها منها وهو يقول متأسفًا:
“متشكر جدًا، أنا مضطر أستأذن”

وقبل خروجه من المكان أوقفته هي بقولها المفاجيء:

“معلش ممكن سؤال هو حضرتك عندك أخوات بنات؟”

نظر لها والدها بإستنكار، بينما «طارق» إلتفت ينظر لها بهدوء رغم تفاجئه من سؤالها، فوجدها تقول معتذرة:

“أنا متأسفة جدًا، بس أنا مش عندي صحاب هنا، لو حضرتك عندك أخوات ممكن تجبهم المحل هنا وبالمرة ينفعونا”

إبتسم هو ثم قال بهدوء:
“عندي بنتين أخوات، وعندي بنات عم، كلهم عندي واحد”

سألته هي بسرعة كبيرة:
“طب هما إسمهم إيه طيب؟ وقد إيه”

نظر هو لـ «حسان» فوجد نظرته مذعورة، فنظر لها وهو يقول بهدوء:

“فيه عبلة و سلمى دول أخواتي، و هدى و هدير دول بنات عمي، و خديجة و خلود دول بنات عمي التاني”

سألته هي بحماس شديد ونبرة مترجية:

“طب ينفع أشوفهم مرة؟ يعني بدل ما أنا هنا معرفش حد خالص؟”

أخذ نفسًا عميقًا ثم رسم الثبات على وجهه وهو يقول ببسمة هادئة:

“قريب، قريب أوي إن شاء الله هتشوفيهم و تتعرفي عليهم كمان، وهيكونوا أكتر من أخواتك، عن إذنكم”

رحل و تركهما خلفه ينظرا في أثره، وكليهما نظرة غير الأخرى هي كانت تتمنى لو تذهب معه، أما والدها تمنى لو أن حديثه كاذب ومجرد هراء لا يهمه منه شيئًا.
_________________

أنتهت تلك الأمسية على الجميع، وأنارت الشمس من جديد في صباح يوم مليء بالكثير و الكثير، ففي هذا اليوم هناك من سيحصل على نهاية محنته و مرضه، وهناك من يُجبر بخاطره وهناك من يتغلل في حقده أكثر وأكثر.

نزلت «خديجة» في صباح يوم الجمعة إلى «ياسين» وهي ممتلئة بالحماس ، ركبت بجانبه السيارة ثم قالت بعد الترحيب به:
“أنا مبسوطة أوي يا ياسين، حاسة أني عندي طاقة كبيرة أوي لليوم دا و المكان دا”

أومأ لها وهو مبتسمًا ثم أضاف:
“بصراحة وأنا كمان، كان نفسي أصلًا أعمل حاجة زي كدا من زمان، شكرًا يا خديجة علشان بظهورك حققت كل اللي كان نفسي فيه”

ردت عليه بسرعة كبيرة:

“متقولش كدا، أنا اللي فرحانة وعاوزة أشكرك علشان بوجودك ساعدتني أني أعمل كل اللي كنت بخاف منه”

تحرك هو بالسيارة وهو يقول بسخرية:

“هنفضل نشكر في بعض كتير كدا؟ يلا يا ست الكل، هناء قالتلي نكون هناك الساعة ٩”

أومأت له ثم أخرجت من حقيبتها طعام وهي تقول:

“أنا عملت أكل لينا علشان معرفش الدنيا هتبقى عاملة إزاي هناك”

إبتسم هو ثم قال بمرحٍ:
“سبحان الله القلوب مرتبطة ببعضها، أصل أنا كمان جايب أكل لينا هتتلاقيه في الكنبة ورا عندك، طلعي وأكليني وأنا بسوق، أعملي أي منظر كدا، ولا أبص برة يا خديجة”

نظرت له بشرٍ وهي تقول:
“بص برة يا ياسين، عادي هعملك إيه يعني ؟”

سألها هو بضيق:
“يعني أنتِ مش بتغيري عليا؟ نهارك أبيض، لأ نهارك مش فايت، أومال هتعملي إيه لو اتجوزت عليكِ؟”

إبتسمت هي بهدوء وهي تقول بمشاكسة:
“إتجوزني أنا الأول وبعدين أتجوز عليا، اتنيل يا ياسين”

إتسعت مقلتيه وهو يقول بغير تصديق:

“اتنيل؟ بس كدا نتنيل علشان خاطر عيونك، دا أحمد خالد توفيق اتنيل، أنا مش هتنيل؟!”

ردت عليه هي بضيق:
“قال يبص برة قال، دا أنا أقفلهم لك خالص”

نظر لها بذعر وهو يقول بنبرة مهتزة:
“خلاص يا ست الكل، قلبك أبيض ، بنهزر”

أخرجت هي الطعام ثم وضعته في فمه بقوة وهي تقول بحنقٍ:

“ألف هنا و شفا يا أستاذ ياسين، ها ألف هنا وشفا، يا رب تشبع”

رد عليها والطعام في فمه:
“خلاص، خلاص شبعت والله”

غمز هو لها وهو يقول بمرحٍ بعدما ابتلع الطعام:

“عيب عليكِ لما تصدقي يا خديجة إن عيني ممكن تشوف غيرك، ولا قلب يشغله غير طيفك”

نظرت هي له بحب وقبل أن تتحدث وجدته يقول بنبرةٍ محبة:
“أنتِ اللي القلب أختارها والعين عشقتها يا خديجة، عيونك الحلوة دي ملجأ أمان، صوتك هو حنية الزمان”

إرتفعت ضربات قلبها بشدة فوجدته يضيف هامسًا بعدما أخذ نفسًا عميقًا:
“أنتِ اللي زيك بيجي مرة واحدة في العمر يا خديجة، مرة واحدة والقلب المحظوظ هو اللي أنتِ تكوني ليه”

نظرت هي من نافذة السيارة وهي تضغط على جفونها بشدة وتحاول منع دموعها من الهطول على وجنتيها، بينما هو ربت على يدها وهو يقول:

“كل الكلام الحلو اللي في الدنيا مش كفاية على عيونك يا خديجة”

إلتفتت تنظر له بهدوء ثم قالت بنبرة محبة:
“ربنا يباركلي فيك يا ياسين”

إبتسم هو ثم نظر أمامه بينما أرجعت هي رأسها للخلف وهي تنظر له بحب.
__________________

في بيت آلـ الرشيد إرتدى «وليد» عباءة الصلاة ثم توجه نحو شقة عمه «محمد»، فتح له عمه، فوجده أمامه يقف بعباءة الصلاة وعلى ذراعه سجادة الصلاة، وهو يبتسم له بإستفزاز، فسأله عمه بتعجب:

“خير يا أخويا؟ نعم على الصبح؟”

رد عليه «وليد» بإستفزاز:
“صباح النور يا حمايا، جيت أفطر معاكم علشان مفيش خد يفطرني فوق”

نظر له عمه بوجهٍ ممتعض وهو يقول:
“نعم يا أخويا؟ هو إحنا شئون إجتماعية؟ وبعدين لابس هدوم الصلاة دلوقتي ليه؟ وجاي بيها عندنا ليه؟”

رد عليه بهدوء وهو مُبتسمًا:
“جاي لمراتي تبخرني، أصل البخور خلص من عندنا”

نظر له عمه بإستنكار، فوجده يدفعه عن طريقه بهدوء وهو يقول:
“وسع بس يا عمي خليني أدخل”

دلف «وليد» الشقة فوجد الجميع بها يتناولون الإفطار، فجلس وهو يقول:

“صباح الخير على عيون الحبايب، الله شاي باللبن؟ فين كوبايتي”

تحدثت «عبلة» بحب:
“ثواني يا وليد وهجبلك كوبايتك”

رد عليها هو بحب:
“عيون وليد من جوة، روحي يارب تشربي من زمزم”

وكزه «محمد» في كتفه وهو يقول:
“ما تحترم نفسك يا حيوان، وإعمل حساب لعمك اللي قاعد دا”

رد عليه «وليد» بسخرية وهو يثير حنقه:
“لما يبقى أبويا صاحب بنك أبقى أعملك حساب إن شاء الله يا عمي، وبعدين دي مراتي”

تدخل «طارق» يقول بضيق:
“ما تلم نفسك بقى، دا أبويا برضه”

راقص «وليد» حاجبيه وهو يقول:
“بس كدا؟ من عيني ليك أنتَ وأبوك، أنا بقى آخد مراتي ومحدش يصدعني، شكلكم كدا ناسيين”

رفع «محمد» صوته وهو يقول:
“خلصي يا عبلة، خلي الأستاذ ياخد الجرعة بتاعته”

_”إيه هتخليني أحضنها؟”
خرجت تلك الجملة من «وليد» بسرعة كبيرة جعلت عمه ينظر له بشررٍ يتطاير من عينيه، بينما هو حمحم ثم تصنع الإنشغال في هاتفه.
_____________

وصلت «خديجة» دار الأيتام معه وهي تشعر بسعادة بالغة، قابلتهما الطبيبة هناك ثم رحبت بهما ثم شرحت لهما نظام اليوم والطريقة التي يسير بها، أضافت مستطردة حديثها وهي تقول بهدوء:

“الدار هنا مبنية على فكرة الدمج، يعني النهاردة هنجمع دار مسنين مع دار أيتام، بحيث إننا نعوض الطرفين عن الحاجة اللي نقصاهم، هي فكرة من زمان موجودة بس كنا عاوزين نطورها وننميها”

أومأت لها «خديجة» بحماس، فوقفت الطبيبة تقول بهدوء:
“دلوقتي هتلبسي التيشيرت وأستاذ ياسين كمان وبعد كدا أنتِ هتكوني مع البنات وهو مع الشباب، هتكوني مسئولة عن طفل النهاردة والمرة الجاية لو هتيجي برضه هيكون الطفل عرفك والمرة الجاية هنجمع دار الأيتام مع دار المسنين، بس لازم نعرفكم بالأطفال الأول، وممكن حضرتك وأستاذ ياسين تختاروا نفس الطفل بما إنكم متجوزين”

نظرت هي له فوجدته يومأ لها ثم قال:
“أنا معنديش مانع، المهم خديجة تكون مرتاحة”

ضحكت الطبيبة وهي تقول:
“لأ من الناحية دي خديجة هتفرح أوي وحضرتك كمان”

إرتدت «خديجة» الزي الموحد وهو أيضًا، وبعد قليل وقفت بجانبه وهي تختار الطفل الذي سترعاه، وقع نظرها على طفل صغير يجلس بمفرده وكأنه لايريد الإنخراط مع من حوله، نظرت هي له وهي تقول بهدوء:

“بصراحة الولد دا شكله بيفكرني بيا، حاسة أني عاوزة اساعده يا ياسين، هو ممكن يكون مش عارف يندمج معاهم”

حرك هو كتفيه بهدوء ثم قال:
“مش عارف يا خديجة، بس أكيد هيحتاج مجهود علشان تعرفي تتكلمي معاه وتاخدي عليه”

ردت عليه هي بسرعة:
“بالعكس والله، أنا عارفة إزاي ممكن أخليه يتكلم ونهزر ونلعب سوا”

أومأ لها «ياسين» ثم إقترب منه وهو يقول:
“صباح الخير يا نجم، أخبارك إيه؟”

نظر له الطفل وهو يقول بنبرة خالية من المشاعر:
“كويس”

نظر هو لها وكأنه يقولها:
“شوفتي؟”

أومأت هي له ثم إقتربت من الطفل وهي تقول بمرحٍ:
“سيبك منه هو أصلًا مش تبعي، خليك معايا أنا، أسمي خديجة وأنتَ؟”

نظر لهما الطفل ثم إبتسم لها وهو يقول:
“إسمك حلو، أنا أسمي بلال”

رفع «ياسين» حاجبه وهو يقول بسخرية:
“طب ماهو كدا مش حلو يا معلم بلال، أنا جيتلك الأول، تشكر يا غالي”

رد عليه الطفل بإحراج:
“أنا آسف والله بس هي ممكن تزعل، بس متزعلش أنتَ كمان وألعب معانا”

رد عليه «ياسين» بتحدٍ:
“كدا كدا مش هسيبها معاك لوحدها، ولا أنتَ عندك رأي تاني؟”

حرك الطفل رأسه وهو يقول:
“أنا عاوزكم تلعبوا معايا علشان محدش هنا بيرضى يلعب معايا، ينفع؟”

ردت عليه «خديجة» بحماس:
“طبعًا إحنا جايين علشان نلعب كلنا سوا وهو كمان هيكون معانا”

صفق الطفل بكفيه وهو يقول:
“الله، طب يلا نلعب سوا”

وقف الطفل ثم أمسك كفيهما وركض حتى يقف في الصف وسط الاطفال، لكي يتم تقسيم الأدوار، أما هي فرفعت نفسها حتى تصل لأذنه وهي تقول:

“شوفت إن هو عاوز بس حد ينكشه وبعدها هيبقى زي الفل”

رد عليها هو بخبثٍ:
“أيوا زي مانا نكشتك كدا”

أومأت له هي بهدوء ثم نظرت أمامها تحاول وأد بسمتها.

بعد تقسيم الأدوار اختارت هي دور الشرح وتعليم الأطفال، وكان هذا الاقتراح نابعًا من قلبها ، وبالفعل نجحت هي في تلك المهمة، كانت الطبيبة تراقبها من على بعدٍ حتى ترى تطورها، وهو
أيضًا على الرغم من مساعدته للشباب إلا أن كانت أعينه تراقبها وكأنه يرى نجاح الثمرة التى ذرعت بواسطتهما.

بعد انتهاء اليوم الذي فعلت به «خديجة» الكثير و الكثير كانت تشعر بالفرح بعد إنتهاء اليوم، وبعد ممارستها للكثير من الأنشطة، وما أسعدها حقًا هو إندماج «بلال» معها ومع «ياسين»، ركبت بجانبه السيارة وهي تقول بسعادة:

“اليوم كان حلو أوي يا ياسين، واتعرفت على ناس كتير حسيتهم شبهي، شوفتني وأنا بشرح للأطفال إزاي نكتب الحروف”

كانت تثرثر بسعادة جعلت قلبه يرقص فَرِحًا لفرحتها تلك، أوقفت حديثها ثم أعادته تقول من جديد:
“الناس هناك كلهم بيساعدوا بعض يا ياسين، والأطفال كمان بيفرحوا أوي لما نفرحهم، بس أنا عاوزة أسألك أنتَ إزاي شوفتني وأنا واقفة وسط البنات، كنا كلنا لابسين زي بعض، عرفتني إزاي؟”

ضحك هو ثم قال بحب:
“لأ مش أنا اللي شوفتك، دا قلبي اللي شافك يا خديجة، وبعدين انتِ لو وسط مليون قلبي وعيوني يطلعوكي ويعرفوكي”

نظرت له وهي تبتسم بحب، فوجدته يقول بنبرةٍ مُحبة:

“أعيْبٌ في عَـيْني أن أراكِ في كُلِ مَـكان…أم أنَّ العَالم بَعد ظهوركِ أضحى بلا سُكان؟”

نظرت له بسرعة وهي ترفع رأسها فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ:

“خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ”

أومأت هي له ثم نظرت من النافذة التي بجانبها، وبعد ما يقرب الساعة توقفت السيارة أمام بيتها، ولكن لسوء حظهما كان الرجال جميعهم يقفون أمام البيت بعد عودتهم من صلاة العصر، نزل هو من السيارة وهي خلفه، فوجد «طه» يقول بحب:

“أنا بقول تيجي تقعد معانا يا ياسين شوية، العيلة كلها هتجتمع فوق وبالمرة تتعرف علينا بدل ما تنسانا”

ضحك «ياسين» ثم قال:
“مقدرش ارفضلك طلب يا عم طه، أنا تحت أمرك”

تحدث «وليد» يقول بمرحٍ:
“حظك للأسف حلو، عمتو مستنيانا كلنا علشان نتغدا سوا، تعالى وأتغدا معانا”

أومأ له «ياسين» ثم نظر لزوجته وجدها تومأ له بحماس، بعد قليل صعد الجميع إلى الشقة التي تقع في الطابق الأول، كانت هي جالسة بجانبه على الأريكة، أما «مشيرة» فكانت تنظر لهما نظرة لم يستطع هو فهمها، لكنها كانت نظرة لا تنذر بالخير، فرفع حاجبه يتحداها، أما هي إبتسمت بشرٍ وهي تقول بصوتٍ عالٍ يجذب إنتباه الجميع:

“قوليلي صحيح يا خديجة، هي الدكتورة النفسية اللي أنتِ بتتعالجي عندها دي حلوة؟ يعني جابت نتيجة معاكِ ولا أي كلام؟”

وقع الحديث على أذن الجميع وقع الصاعقة، أما «خديجة» فشحب وجهها وهي تنظر حولها بخوف، فقالت «مشيرة» بنفس الثقة:

“إيه يا خديجة، ما تعرفينا علشان عندي واحدة صاحبتي مجنونة عاوزة تتعالج نفسيًا”

إقترب منها «وليد» يصرخ في وجهها وهو يقول:
“أنتِ بتقولي إيه؟ أنتِ مجنونة؟ محدش هنا عاوز يتعالج غيرك”

ردت عليه هي وكأنها لا تخشى شيئًا:

“متزعلش نفسك أوي كدا يا وليد، ماهو أنتم ماشاء الله عليكم يا أحفاد الرشيد، واحدة بتتعالج عند دكتورة مجانين، و واحد كان بيتعالج من الإدمان، قولي كنت بتحس بإيه يا وليد”

كانت «خديجة» تبكي بقوة وهو ضاممًا لها بين ذراعيه ويربت عليها، وهو يحاول التحكم في إنفعالاته، بينما «وليد» إقترب منها أكثر وهو يقول بتشفٍ وصوتٍ يشبه فحيح الأفعى لكن الجميع سمعه:

“كنت بحس بنفس اللي هتحسيه لما أقولك أني جميلة بنتك عايشة وأنا عارف مكانها بس قسمًا برب الكعبة ما هريح قلبك ولا أطفي نارك يا مشيرة”

يُتَبَع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى